أعيش هذه الأيام حالة من التقلب المزاجي، قادتني إلى الإحساس بشدة بانكسار حاجز الزمان بين مشاعر ولحظات الماضي والحاضر. فصار ما يحدث لي بالأمس القريب أشعر أنه حدث منذ فترة طويلة، وما حصل منذ سنوات أشعر به كما أنه قريب وحصل بالأمس.
ولا أكذبكم القول أني أقضي وقتا ممتعا مع هذا الشعور، فليس أفضل من أن تعيش بعض لحظات الذكريات، شرط أن تكون تستطيع الوصول إلى الأحداث الجميلة منها فقط، ولا أستطيع أن أتخيل أن يحدث ذلك مع شخص تعود أن ينظر إلى الجانب التعيس من الأحداث، لأن مخزونه من الذكريات سيكون مؤلما.
وقد يكون الشيء الوحيد المقلق في الموضوع أن هذا الشعور قد أعاد تساؤلي لقضية فكرية قديمة كانت تشغلني لفترة من الزمن، وهي حكاية الوجود في مساحة زمنية معينة. فقد حاولت - بعد أن قرأت كتاب "الوجود والعدم" للفيلسوف الفرنسي
جان بول سارتر - أن أحسب الوقت الفعلي الذي نقضيه فيما يسما بلحظة الحاضر. وقد صعقت عندما تبين لي أن ذلك شيء شبه مستحيل.
فكلما حاولت أن أقيس وقت الحاضر أجد نفسي أمام لحظات تستعصي القياس بالوقت، فكل "لحظة" تمر تقفز بالحاضر إلى أحضان الماضي، ووجدت أني أقلص الوقت الفعلي للحاضر من ساعة إلى نصف ساعة وإلى أقل من ذلك بكثير حتى وصل الحساب إلى أجزاء من الثانية دون أصل للحظة قياس حقيقية.
الشيء الوحيد الذي أصبحت متأكد منه بعد هذه المحاولة، أن الواقع والحياة والوجود هي ليست بالبساطة التي نتصورها، أو بالشكل الذي تظهره بها حواسنا. وأن الزمن (ذلك المجهول) يحمل أسرارا تجعل الحياة أكثر تشويقا متى ما علمت أن هناك تصور لأكثر من واقع تستطيع أن تراه.
سأستغل قدر الإمكان هذه النافذة الزمنية المفتوحة على الماضي، فقد أرتني كم هم الأشخاص الذين يعيشون في حياتي جميلون جدا، وكم أنا غني بوجودهم حولي، وأن أكبر انجاز حقيقي تسجله في حياتك أن تكون قد أحطت نفسك بمجموعة من الشخصيات التي تثير الحياة من حولك، وأن تكون أنت بالمقابل قد أثريت حياتهم بوجودك.
عزيزي القارئ، إذا كان الزمان خط مستقيم أنت في منتصفه، والماضي خلفك، والمستقبل أمامك، فما هو طول اللحظة التي تعيشها وتعرف بالحاضر؟ وهل يمكن قياسها زمنيا؟ وماذا يعني إذا لم تستطع أن تقيسها؟ هل ينفي ذلك فكرة أنك موجود أصلا؟!