فى أوقات كالتى نحياها، وشبعنا فيها صراخا ولطما وتجريسا للفاسدين الناهبين المزورين، أرى من واجبى الأخلاقى والمهنى والسياسى أن اكتفى -وليتكم تكتفون معى- من لعن الظلام، وأن أقترب وتقتربون معى من ضوء الشموع، التى تضىء ولو لم تمسسها نار، كأنها قبس من نور الله، هم عناوين الحقيقة ونبض القلب ودم الشراييين وأوتاد الخير وسدنة عرش الوطن، هم الأولى بالمدح من الانشغال أو الاشتغال بقدح الملتصقين بكرسى سلطان الظلم المقيم.
سأحدثكم عن المرأة المعنى، عن فرح النقاط فى التقاء الحروف، عن شرف الضمير الشاهد المشهود، عن صاحبة الوجه المُضاء بالنور، أحدثكم عن نهى الزينى، وللحديث عنها فى سياق الهزل الديموقراطى المسمى بالانتخابات معنى خاص: يراه المرضى بالمشاركة إكسيرا للشفاء، ويشعر به المزورون سما ناقعا ولسعة نار تكوى مضاجعهم.
الآن تمر خمس سنوات على ذكرى المهزلة (20-11-2005/ 20-11-2010) وخمس سنوات على شهادة القاضية بالحق المستشارة الدكتورة نهى الزينى، والتى نشرت فى جريدة المصرى اليوم (24 نوفمبر 2005).
حينها كان المسرح أو السيرك السياسى يلفه الإظلام التام المصحوب بدوامات التراب وبقايا الدخان والرفات وشهادات الزور، فى تلك الأثناء خرجت الشهادة الصرخة فأضاءت المشهد بكشافات يتوغل نورها فى شقوق خرائب المتواطئين على تلبيس الباطل ثوب الحق، ساعتها تزينت الكلمات بنور من قال وحيه (اقرأ) فقرأنا من أول السطر (لقد كنت هناك وشاركت فى هذا الأمر، وهذه شهادة حق) وفى وسط سطور الشهادة (إن لم أقلها، سوف أسأل عنها يوم القيامة) وفى الختام (ماذا لو كسب الإنسان العالم وخسر نفسه؟).
لم تكن القضية فى دمنهور ولا بندر دمنهور، ليست مشكلة صناديق وأرقام وإحصاء أصوات وإعلان نتائج، فكم انتخابات مضت، وكم قضاة أشرفوا، وكم ظلموا وكم ظُلموا، ثم ابتلعت الألسنة كل الكلام وصمت الآذان، وتعطلت لغة الضمائر، حتى أصاب العطب كل المبانى والمعانى الوطنية، فكانت الشهادة امتنانا لله على نعمة النطق فى مواجهة الخرس من خوف أو طمع، صاحت كصيحة البرمكية بعد قتل أهلها وقومها (واموالياه) نادت كامرأة المعتصم (وامعتصماه) تلثمت مثل جان دارك وامتطت صهوة جواد الحرية، زلزلت الأرض وأثارت النقع، لكنك حين تراها، كأنها خارجة لتوها من خدرها الملكى تحمل تاج عفافها وكبريائها واستغنائها، تتزين بموقفها، تتجمل بعقد الضمير لؤلؤا مكنونا، تراها فى الابتسام فتشعر أن مصر راضية، وتراها فى الغضب كأن بركان الوطن على وشك الانفجار.
يا سيدة الموقف ما أجملك، وما أحوجنا خلال هذا الأسبوع الانتخابى الكاذب لتذكر صيحة صدقك.