تقول الاسطورة ان الاسكندر الاكبر امضى تسعة ايام في سيوة بحثا عن معبد الوحي للاله امون.
وبعد اربعة ايام من البحث، نفد الماء من رجال الاسكندر، حينئذ بدت لهم الواحة ـ كما لا تزال تبدو الان ـ كسراب بين رمال الصحراء.
ذكر هيرودوت الواحة في القرن الخامس قبل الميلاد
الان، تبعد سيوة عن القاهرة تسع ساعات بالسيارة، تقطعها عبر صحراء لامثيل لجدبها في العالم.
وتقع على مستوى 18 مترا تحت سطح البحر، وتحيط بالواحة الرئيسية فيها جزر صحراوية خضراء تروى من ماء ينبع طبيعيا من باطن الارض الى سطحها.
ترقد سيوة على الحوض الجوفي النوبي بمياهه الهائلة، وان كانت قابلة للنفاد، التي تنساب منذ الاف السنين.
تملأ تلك المياه احواض الاستحمام الزرقاء في سيوة، ويبلغ احد الينابيع ـ ويسمى "بئر جوبا" ـ من القدم انه ورد اسمه في كتابات المؤرخ الاغريقي هيرودوت قبل خمسة قرون من الميلاد.
يبلغ الماء من الوفرة ان يزرع في الواحة 120 نوعا من النخيل، ينتج بعضها افضل انواع التمر في مصر.
الا ان طريق القوافل الذي استخدم من قبل لنقل انتاج الواحة استبدل الان بطريق اسفلت.
ينقل الطريق الجديد السائحين والتكنولوجيا والنمو وذلك النمط من التنمية الذي يهدد التوازن البيئي الدقيق.
وفي السنوات العشرين الاخيرة، تنزح ابار حفرها البشر ذلك الماء الذي كان ينساب بشكل طبيعي من تحت الصخور في ينابيع.
تضخ المعدات الهائلة المياه في البحيرة المالحة على مدار الساعة
يدير منير نعمة الله منتجعا بيئيا في سيوة عبارة عن مجمع فندقي مبني بالطوب اللبن كنموذج للتنمية المستدامة.
ويخوض الان وحيدا معركة للحفاظ على الثقافة البربرية الفريدة واحتياطيات المياه الثمينة التي تستمد منها الواحة الحياة.
يقول منير: "للاسف، تنشط الان بكثافة عملية حفر الابار في الواحة لاشباع جشعنا وفتح شهيتنا على المزيد".
ويضيف: "نتيجة لذلك، تراجع معدل ملء الينابيع بالمياه الى اقل مما يجب ان يكون عليه. اننا نتنافس الان مع ظاهرة طبيعية ظلت موجودة لالاف السنين".
حقول مهجورةيقال ان هناك خمس شركات لتعبئة المياه تعمل في سيوة، ويستغلون بعد الواحة كوسيلة للتسويق. لكنهم جزء من المشكلة.
كما ان المزارعين الذين كانوا يغمرون ارضهم بمياه الينابيع الطبيعية من قبل يحفرون لاستخراج المياه من مسافات جوفية عميقة. ويقدر ان هناك نحو الفي بئر في مساحة 35 كيلومتر مربع.
وفجأة اصبح هناك كثير من المياه. وتمتليء البحيرة المالحة في وسط الواحة ـ والتي تجف اجزاء منها في الصيف ـ بالمياه العذبة التي تضخ من قنوات شقها البشر على حدود الحقول.
والماء المفرغ في البحيرة مياه صرف تاتي من الحقول ـ وهي مياه مهدرة وما ان تصل الى البحيرة تصبح بلا جدوى.
وعلى الجانب الشرقي من الواحة، شاهدنا حقولا مهجورة وخزانات مياه يملأها الان الماء المالح، الذي يضر الارض. ويقول الفلاحون ان مياه الابار تقل، لان الخزانات الجوفية تسحب منها المياه بمعدل اسرع من معدل امتلائها طبيعيا.
يقول احد المزارعين المحليين، عمر محمد: "كانت المياه ممتازة قبل سنوات، اما الان فملوحتها عالية جدا".
ويضيف: "غير مسموح لي بان احفر بئرا، لكن المياه الحكومية التي تاتي من البئر في حقلي تقتل اشجار زراعتي".
الى متى يمكن ان تظل المياه متوفرة في تلك البقعة الصحراوية
لكننا اكتشفنا مضخة اهلية مخبأة في الاحراش في حقل عمر. لقد حفرا بئرا يخصه، وما هو الا واحد من مئات الابار الخاصة التي حفرت في ارجاء الواحة، وتعتبرها الحكومة سبب المشاكل.
لم يفت الاوانحاولت السلطات الحد من الابار الخاصة، بحفر ابار حكومية تغذي عدة حقول. الا ان المياه التي تضخ في البحيرة المالحة على مدار الساعة تثبت ان جهود الحكومة بلا جدوى.
لقد عبثوا بنظام متوازن طبيعيا، ويحتاجون الان الى معدات هائلة لنقل المياه الى البحيرة اصطناعيا.
تقول رئيسة قطاع المياه الجوفية في وزارة الري والموارد المائية المصري فاطمة عبد الرحمن عطية: "لا اقول ان الوضع على ما يرام، لكن هناك ادلة على اننا نحرز تقدما. تذكر انه عندما تردم بئرا، فان المياه تجد طريقها الى السطح عبر مسام الحجر الجيري".
وتضيف: "نحاول الحد من حفر الابار، وهذا يتطلب وقتا خاصة مع مقاومة السكان المحليين. ونقول لهم ان الحل الامثل هو اعادة استخدام تلك المياه التي تذهب في المصارفن بحيث لا يصل الى البحيرة الا الحد الادنى".
لكن السكان المحليين يلومون الحكومة ويقولون انهم طرحوا حلولا تم تجاهلها.
ويقول المسؤولون ان الاوان لم يفت بعدن لكن يتعين تغيير التوجهات.
ويعتقد البعض ان سيوة يمكن ان تكون نموذجا لبقية العالم على كيفية استخدام مصدر غير متجدد والحفاظ عليه.
يقول منير نعمة الله: "علينا ان نراجع سياسة ادارة المياه كليا، ويتطلب ذلك ابحاثا للتاكد من مستوى التنمية الذي يتحمله الحوض الجوفي ويحتاج الامر الى التزام وتعاون على كافة المستويات".
لقد اختفت معظم الواحات المعروفة على وجه الارض، وتبدو سيوة اليوم وكانها جنة عدن فالمياه حيثما وليت بصرك لكن من يدري كم منها بقي تحت السطح؟
فمن سيوة الى ليبيا يجري سحب المياه من الحوض الجوفي النوبي بمعدل متزايد. ويعتقد البعض انه بدون جهود مشتركة من كافة الاطراف قد تختفي تلك البقع الخضراء في الصحراء من الخريطة ولا يمكن اعادتها.